Saturday, August 29, 2009

الديون العراقية....ليس مرة أخرى


رغم ما تتمتع به جريدة الاندبندنت البريطانية من استقلالية في الطرح، فإن الجريدة في عددها الصادر بتاريخ 29-7-2009 وعبر تقرير مراسلها لشؤون الشرق الأوسط روبرت فيسك بشأن الديون العراقية للكويت، قد شكّلت مخالفة لقدر كبير من الواقع والانحراف عن الاتزان.فقد تناول المراسل المذكور القضية المذكورة بعموميات شكلت رأيه بشأن الموقف الكويتي، وهو أحد الصحافيين الذين غطوا العديد من الحروب في منطقة الشرق الأوسط، كأحداث الحرب الأهلية في لبنان، الثورة الإيرانية، الحرب في أفغانستان، حرب تحرير العراق.ورغم ما ذكر، فقد تضمن التقرير المذكور مغالطات تضمنت نقداً شديداً وغير سائغ، لعدم إسقاط الكويت الديون العراقية، وذلك رغم مضي أكثر من 18 عاما على تحرير الكويت، ورغم سداد العراق 27 مليارا حتى تاريخ أبريل 2009، من دون تنازل من الكويت، وأن هنالك ديونا إضافية على العراق بقيمة 24 مليارا كتعويضات وفق ما قررته الأمم المتحدة، خلافاً لدين آخر وهو 16 مليارا مصدرها قروض للعراق أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، مما يشكل -في نظره- سوء تقدير وقصورا في النظر من الكويت، خاصة لمن قد يقود العراق خلال العشرين سنة المقبلة.ولعل المراسل المذكور قد خفي عليه وضوح الموقف الكويتي في هذا الخصوص، وان العلاقات الكويتية-العراقية علاقات جوار وتقارب، وواقع يفرض نفسه أكثر من أي أمر آخر، بالإضافة إلى أهمية استقرار العراق وشعبه، كأولويات كويتية، حيث اتضح ذلك بشكل خاص في عملية تحرير العراق أخيراً، من كابوسها السابق، والمساهمة في إعادة شمس الحرية، وفرص البناء والنماء، لبلد شقيق وصديق.كما تهم الإشارة إلى أن مسألة الديون العراقية، مرتبطة بأموال عامة لها حرمة وفق المادة 17 من الدستور الكويتي، والتي تُسأل عنها الحكومة أمام مجلس الأمة لو تم التنازل عنها من دون الرجوع الى البرلمان والشعب الكويتي، والتي يجب ألا تتعارض معها أي مقررات دولية جديدة.وفوق ما سبق، فإن تلك الديون مصدرها مراكز قانونية أنشأها القانون الدولي من ناحيتين، الأولى أساسها ما أصاب الكويت من أضرار بسبب الغزو والدمار المتعدد الأبعاد الذي ترتب عليه، والتي أقرتها الأمم المتحدة كتعويضات بقرارات نهائية ونافذة، أما الثانية فمصدرها ديون اقترضها العراق أثناء الحرب العراقية-الايرانية، فشكلت مديونيات عامة على الحكومة العراقية، وليس الشعب العراقي، وتشبه في وضعها القانوني الدولي حالات عديدة التزمت بها الدول بالتعويضات بعد الحروب، او الاعتداءات كحالة التعويضات الالمانية التي التزمت بها الدولة الالمانية، عما قام به هتلر وجيشه، وعلى الاخص بعد الحرب العالمية الثانية، والتي بدأت عام 1939 وانتهت عام 1945، والتي سددت على سنوات بعد الحرب العالمية الثانية، التي مضى عليها الآن اكثر من ستين عاما.ولا يخفى ان إحدى المسائل المهمة في هذا الجانب، هي ضرورة استقرار مبادئ مهمة في العلاقة بين الطرفين، وخاصة مسائل السيادة والحدود الكويتية، واستغلال الآبار الحدودية، وفق المقررات الدولية، فلا شك ان هنالك اولويات منطقية، وان هنالك وضعا ملحا وعاجلا وضروريا في الصعيد الكويتي لحسم تلك المسائل التاريخية بشكل دائم بين الطرفين.ولا يخفى على كل ذي لب، ان اعادة الحديث الموجه الآن خارج نطاق مقررات الشرعية الدولية ليست من مصلحة اي طرف، وذلك حتى يستمر ضبط الاموال العامة العراقية نفسها للشعب العراقي، فيتم البيع للنفط، وتكون الايرادات تحت رقابة مجلس الامن، ثم يتم صرف 95% منها للعراق، ثم يتم خصم مستحقات الكويت، وفق الفصل السابع من قرار مجلس الامن.وبكل حال، فان الحديث عن مسألة الديون وحجم السداد -او تحويلها الى استثمارات كويتية داخل العراق من عدمه، وما يتم احتياجه من ضمانات وتأكيدات كافية في هذا المجال للاطراف الدائنة، ومنها الكويت- مسألة يجب ان تبقى وفق مظلة الامم المتحدة، خاصة مقررات مجلس الامن، التي ارتضاها طرفا العلاقة، لتكون دستورا منظما لشؤونهما بصورة جلية، وبلا تردد، او لبس، او غموض، من الاطراف المعنية، وحتى مجلس الامن.
لبيد عبدال
abeed@lalaw.com.kw

No comments: